الهجره غير الشرعيه
صفحة 1 من اصل 1
الهجره غير الشرعيه
بمناسبة موت مصريين في محاولة للهجرة غير الشرعية
البحر من أمامكم والفقر من خلفكم
البحر من أمامكم والفقر من خلفكم
حادث غرق 148 شاباً مصرياً أمام الشواطئ الإيطالية ، وتحولهم إلى حطام للأسماك في قاع البحر الأبيض المتوسط ، ليست الأولى من نوعها وإن كانت الأكثر إثارة في هذا الصدد ، لأنها أولاً جاءت متواكبة مع مؤتمر الحزب الوطني المصري الحاكم ، والذي تحدثت أوساطه أثناء المؤتمر عن نمو اقتصادي تجاوز الـ 7 % ، وعن أن مصر تتقدم وتحقق رخاءً ، الأمر الذي يتعارض مع بحث شباب حاصل على درجات علمية عالية أو متوسطة وآخرين يمتلكون مهناً صناعية بحث هؤلاء عن أي فرصة سفر أو عمل حتى لو كان الثمن مغامرة نسبة الموت فيها أعلى بكثير من نسبة الفوز والنجاة ، الأمر الذي يؤكد أن هناك فقراً وبطالة دفعت هؤلاء الشباب للبحث عن أي مخرج لهم حتى ولو كان ثمنه احتمال كبير بالموت غرقاً . وتقدر بعض الأوساط الاقتصادية أن عدد الباطلين في مصر وصل إلى 5 مليون مواطن وهي نسبة كبيرة مقارنة بمن هم في سن العمل قد تصل إلى 20 % ، هذا بالإضافة إلى أن الكثيرين ممن حصلوا على وظائف بالفعل ، لا تكفي دخولهم الاقتصادية على سد حاجاتهم وحاجات من يعولونهم مما يؤدي عادة إلى بحث هؤلاء أيضاً عن السفر والهجرة غير الشرعية وهو ما يعكس حالة من اليأس لدى هؤلاء في إمكانية تحسين أوضاعهم في الداخل . وقد رصدت أجهزة الأمن المصرية أن القضايا التي تم ضبطها بالفعل لمنع الهجرة غير الشرعية وصلت إلى حوالي 1500 قضية في السنوات الخمس الأخيرة ، وأن المستهدف تسفيرهم في تلك القضايا وصل إلى حوالي 17 ألف مواطن ، فضلاً عن ترحيل 17 ألف مواطن مصري من أوروبا خلال تلك الفترة ، لأنهم وصلوا إليها بطرق غير مشروعة أو لا يملكون أوراقاً ثبوتية أو غيرها من الأسباب ، وهكذا فنحن أمام عدد يفوق الـ 30 ألفاًً من الحالات التي ت ضبطها أي أن العدد يصل إلى مئات الألوف ، لأن حالات الضبط تصل عادة إلى 10 % .
البحث عن الهجرة والسفر حتى لو كان الثمن الموت غرقاً والتحول إلى طعام للأسماك في قاع المتوسط ، أو الوصول إلى إيطاليا مثلاً ثم الترحيل ، وفي حالات قليلة النجاح للحصول على عمل ، يعني مباشرة أن هناك خللاً كبيراً في البنية الاقتصادية والاجتماعية المصرية ، فالدافع إلى هذه المخاطر الكبيرة هو الهروب من الفقر والعجز ، وبديهي أن الرجل الذي لا يملك أن ينفق على أولاده عاجزاً أمام الأولاد والبنات والزوجات عن تحقيق طموحاتهم وحاجاتهم ، وقد سجلت حالات انتحار مباشرة في مصر لهذا السبب وبديهي أن السفر والمخاطرة أفضل كثيراً من الانتحار من كل النواحي .
وكذلك فإن الشاب المقبل على الحياة حين لا يجد فرصة عمل في بلده أو يتم التمييز ضده في الوظائف ويحرم من وظائف مرموقة في الدبلوماسية أو القضاء لمجرد أنه عجز عن الحصول على الواسطة أو المقابل المادي والمعنوي للسادة الكبار ، أو عن تدني حالته الاجتماعية ، بالطبع يفقد الولاء ويصل إلى نوع من اليأس يدفعه إلى محاولة المخاطرة ، وهذا مرة أخرى أفضل من الانتحار الذي سجلت منه لهذا السبب تحديداً وهو الحرمان من الوظائف رغم التفوق بسبب التمييز لأسباب الواسطة والوجاهة الاجتماعية .
والمسألة بالطبع تحمل شقاً جنائياً ، ولكنه شقاً غير موضوعي وجزئي جداً ، نعم هناك عصابات تقوم بمهمة البحث عن الراغبين في السفر ، والحصول منهم على عدة آلاف من الجنيهات عادة يسددها هؤلاء بالاستدانة أو رهن البيوت التي يقيمون فيها ، أو جمع كل مدخرات الأسرة ودفعها للعصابة لعل وعسى أن يصل المهاجر إلى بلد أوروبي ويعمل ويحصل على المال الوفير فيعيد للأسرة أكثر كثيراً مما دفعت ، وهذه حالات موجودة بالفعل ولكنها نادرة ، إلا أنها تشكل حافزاً للراغبين والحالمين ، أما حديث البعض عن أن من الأفضل لهؤلاء الشباب أن يقوموا بعمل مشروعات بتلك المدخرات فهذا كلام مرسل لا قيمة له ، لأن هذه الأموال أولاً أقل من أن تقيم مشروعاً ، وثانياً لأن التعقيدات الإدارية والفساد الإداري فضلاً عن اضطراب الأداء الضريبي في مصر يجعل من المخاطرة عمل أي مشروع اللهم إذا في اعتبار صاحب المشروع تسهيل مهمته بطرق غير مشروعة ! ! . وهو أمر غير متيسر للغالبية الساحقة من الناس .
الحديث عن أن هؤلاء الشباب الباحثون عن الهجرة طماعون هو بدوره حديث رديء ، لأن الواقع أن الفقر من ورائهم والبحر من أمامهم ، وبديهي أن البحر أفضل من الانتحار أو السفر إلى إسرائيل والعمل هناك كما حدث لآلاف من المصريين ، أصبحوا بالطبع غير وطنيين أمام أنفسهم وذويهم .
تبدأ رحلة الموت أو الغرق عادة بجمع عدة آلاف من الجنيهات بطريقة أو بأخرى ثم السفر إلى ليبيا أو المغرب أو تونس أو حتى السعودية ثم الذهاب عن طريق عصابات معينة إلى عمق البحر المتوسط ، ثم سفن منتهية الصلاحية فقوارب مطاطة إلى الحدود وعادة ما يكون الموت غرقاً أو التعرض للاعتقال في موانئ إيطاليا أو اليونان هو النهاية ، وبديهي أن الحاجة هي التي أفرزت العصابات ، ومن ثم فإن إصدار القوانين أو تشديد العقوبات على تلك العصابات لن يحل المشكلة ، إنه نوع من الهروب من المسئولية الاجتماعية للدولة والأغنياء الذين تركوا الفقراء .
وبديهي أيضاً أن الأمر لا يخص المصريين وحدهم ، فهذه هي حالة كل الفقراء في العالم ، أو مشكلة الجنوب الفقير أمام الشمال الغني ، أو الفوارق الكبيرة بين جنوب وشمال المتوسط ، وهذه بدورها مسئولية دولية ، فليس من المعقول أن يصل التفاوت في الدخل والحظ في الحياة بين الشمال والجنوب إلى هذا الحد ، وكذا ليس من المعقول أن تنفق الولايات المتحدة مثلاً حوالي 600 مليار دولار في الحرب على العراق وفقاً للتقديرات الرسمية الأمريكية ، وعدة تريليونات من الدولارات وفقاً للإحصاءات غير الرسمية ، ثم تترك الآخرين يجوعون وتتحدث عن الإرهاب ، مع أن إنفاق تلك الأموال على تحسين أحوال الجنوب قد يكون أجدى وأنفع في محاربة الإرهاب ، ومن ناحية ثانية فإن النفاق الثقافي الأوروبي والأمريكي والعالمي حول الحديث عن إلغاء كل الحواجز الجمركية أمام السلع واعتبار العالم وحدة واحدة وفقاً لقواعد العولمة والسوق الحرة ، وهذا يعني فتح حدود الجنوب أمام السلع الأوروبية مما يهدد بإغلاق مصانع ومعامل يعمل فيها أبناء الجنوب ، في نفس الوقت الذي يتم وضع المزيد من العراقيل أمام أهل الجنوب للسفر لأوروبا ، بل وتحميل دول الجنوب ذاتها مسئولية منع تلك الهجرة غير الشرعية وتقديم المساعدات الفنية لهم في هذا الصدد ، ليس معقولاً أن يكون مسموحاً للسلع أن تمر من الشمال إلى الجنوب ويحرم الإنسان من المرور من الجنوب إلى الشمال ، أليس هذا ازدواجاً للمعايير في فلسفة العولمة والعالم الواحد ، والقرية الإليكترونية الواحدة . . . . الخ ، أم أن الإنسان أقل من السلعة وفقاً لمعايير الحضارة الأوروبية .
الأمر بالطبع يحتاج إلى دراسة حقيقية لتحقيق عالم أكثر عدلاً وليس إصدار مزيد من التشريعات والإجراءات التي تحاصر الفقراء لتزيدهم فقراً .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى